خاص- فاكت اليوم / عبد الرحيم أحمد
بعد 76 عاماً على نكبة فلسطين وفي كل مرة يتصاعد فيها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبدأ الدول الغربية الداعمة لإسرائيل بطرح فكرة “حل الدولتين” كبديل للصراع وإخراج كيان الاحتلال من عنق الزجاجة عبر التلويح بهذا “الحل” للفلسطينيين للتوقف عن النضال ضد الاحتلال والقبول بتسوية أقرب ما تكون إلى الاستسلام والتخلي عن الحقوق المشروعة التي كفلتها القوانين والمواثيق الدولية.
فما هو “حل الدولتين” وهل مازال ممكناً بعد أن احتلت “إسرائيل” أكثر من 80% من الأراضي الفلسطينية وبعد أن هجّرت نصف الفلسطينيين إلى أربع جهات الأرض.. بعد أن توسعت المستوطنات الإسرائيلية وتغوّلت بين المدن والبلدات الفلسطينية وبعد أن قام الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري الذي يخنق مدن وبلدات الضفة الغربية.. بعد أن فرض حصاراً خانقاً على قطاع غزة منذ 20 عاماً؟
فكرة حل الدولتين أول ما ظهرت كفكرة جاءت لتثبيت الوجود الصهيوني في فلسطين على حساب الحقوق الفلسطينية الشرعية، وظهرت في قرار التقسيم الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 181 عام 1947 الذي قسم فلسطين إلى ثلاثة أقسام، منطقة تضم دولة فلسطين تمتد على مساحة 11 ألف كيلومتر مربع، بنسبة 42.3 % من أراضي فلسطين التاريخية. إلى جانب دولة (إسرائيل)، بنسبة 57.7 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية بمساحة 15 ألف كيلومتر مربع، ومنطقة تحت الوصاية الدولية تضم مدينة القدس الشريف وحيفا.
وفي كل مرة يظهر عنوان “حل الدولتين” كمشروع حلِ للصراع العربي الإسرائيلي، ينبغي أن ندرك أن الهدف منه تثبيت الوجود الإحتلالي الإسرائيلي في فلسطين على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى حساب إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة.
لقد كان اتفاق أوسلو الموقع بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي عام 1993 أول خطوة عمليّة على طريق فرض فكرة “حل الدولتين” على الشعب الفلسطيني، يقضي باعتراف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير “بالدولة الإسرائيلية” على مساحة 78% من أرض فلسطين مقابل منح الفلسطينيين وعوداً بأن “دولتهم الموعودة” على بعد 6 سنوات من أن تبصر النور. ومرّت ثلاثة عقود وحلم الدولة الفلسطينية يبتعد أكثر، ومساحة الدولة المنشودة تتقلص أمام تمدد المستوطنات الإسرائيلية كخلايا سرطانية في جسد الأراضي الفلسطينية.
تابعونا على تلغرام
عاد طرح فكرة “حل الدولتين” عام 2003 كمحاولة لإخماد الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 2000 ضد الاحتلال الإسرائيلي، فقدمت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط المؤلفة من روسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة، خارطة طريق تنصّ على إقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967 بحلول عام 2005 مقابل أن يوقف الفلسطينيون انتفاضتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب التزام “إسرائيل” بتجميد الاستيطان، لكن لا الدولة الفلسطينية أبصرت النور في عام 2005 ولا الاستيطان توقف.
فعندما يعم الهدوء وينعم الاحتلال بالأمن والسلام، يتناسى العالم قضية الشعب الفلسطيني وحقه بحياة آمنة في دولة مستقلة، ويبدأ حلفاء الكيان البحث عن مسارات للتطبيع مع الدول العربية باعتبار أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية ملحّة، ولم يعد هناك مشكلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوى تبادل الأراضي ومطاردة المقاومين الفلسطينيين.
اليوم تعود فكرة “حل الدولتين” إلى الأضواء بعد نحو ثمانية أشهر من إطلاق عملية طوفان الأقصى التي هزت عرش الكيان المحتل وأعادت القضية الفلسطينية إلى موقعها ومكانتها على الساحة الدولية، وجعلت المستوطنين الإسرائيليين يعيشون حالة من الهلع والقلق والذعر ويبحثون عن أقرب مطار للعودة إلى مواطنهم الأصلية.
طرح الفكرة بهذا الشكل يأتي كمخرج للاحتلال العالق في حرب طويلة غير قادر على حسمها بالرغم من استخدامه أحدث الترسانة العسكرية الأمريكية والغربية، وبالرغم من حرب الإبادة التي يشنها ضد الفلسطينيين من نساء وأطفال وكوادر صحية ومشاف ومنشآت تعليمية.
إن إطلاق حل الدولتين لم يكن في يوم من الأيام يهدف إلى إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني ولا لوقف آلة القتل الإسرائيلية ضد هذا الشعب، فخلال السنوات ال76 من عمر النكبة الفلسطينية لم تتحرك الدول الغربية لرفع الظلم عن هذا الشعب، ولم يكن يعنيها عدد الشهداء الفلسطينيين وعدد المعتقلين والجرحى، فكل ما يعنيها أن تحمي الكيان الإحتلالي.
اليوم نسمع من الإتحاد الأوروبي إعادة طرح فكرة حل الدولتين عبر مؤتمر دولي وتردد القمة العربية الصدى بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام، في وقت يواجه الاحتلال أزمة عميقة داخلياً على شكل انقسام وفوضى، وخارجياً على شكل دعوى في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، وقطع عدة دول علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان المحتل.
تابعونا على فيسبوك
إن إعادة طرح الفكرة بالتزامن مع التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، يهدف إلى تمرير التسوية الاستسلامية تحت ستار القصف وسيف الإبادة المسلط على رقاب الفلسطينيين، وتخيير الفلسطينيين بين استمرار حرب الإبادة أو القبول بـ “حل الدولتين” ولو أنتج “دولة مسخاً”.
لكن الفلسطينيين يدركون أكثر من غيرهم أن وهم “حل الدولتين” هو “جزرة” تقدم لهم تحت وابل القصف والقتل وجرائم الإبادة بحق النساء والأطفال، وأن أي دولة فلسطينية يوافق عليها الاحتلال الإسرائيلي لن تكون سوى سلطة منزوعة القدرة والسيادة والقرار، سلطة لحماية الأمن الإسرائيلي وقمع الشعب الفلسطيني وتوفير الأمن للمستوطنين الإسرائيليين.
وهم يعلمون جيداً أن الاحتلال يمارس بدعم غربي فاضح حرب تصفية ضد القضية الفلسطينية مرة بالسلاح والدمار ومرة بالمفاوضات تحت شعار التسوية السياسية و”حل الدولتين”.
لقد أيقن الفلسطينيون على مدى نكبتهم أن المقاومة هي الطريق الوحيد لاسترجاع الحقوق كاملة غير منقوصة، وأن مقاومتهم بدعم من محور المقاومة دولاً وقوى، قادرة على إنهاء الاحتلال الذي بدأ يترنح ويتآكل من الداخل، لذلك لن يقبلوا بالأوهام بالتخلي عن الواقع .. واقع اثبتوا فيه قدرتهم على دحر المحتل كما فعل حزب الله في جنوب لبنان عام 2000 وكما فعلت المقاومة الفلسطينية عام 2005 في قطاع غزة.
اقرأ أيضاً…“إسرائيل” الشيطان الأكبر والمحرك الخفي لشرور الأرض