أجرى وزير الخارجية الأبخازي إينال أردزينبا حواراً سياسياً فكرياً خاصاً مع الرئيس بشار الأسد، تحت عنوان: “الأغلبية العالمية”.
في هذا الحوار وثّق وزير الخارجية الأبخازي رؤية الرئيس الأسد وتصوراته عن العلاقة بين الهوية الوطنية للشعوب والحروب التي يُشعلها الغرب في مناطق مختلفة من هذا العالم، وعن الثمن الباهظ الذي تدفعُه الدول والشعوب لقاء كرامتها، وعن عقدة العظمة الموجودة لدى الغرب، وهل لدى الغرب قادة حقيقيون الآن؟
يركز الحوار على دور الدول التي تتطلع لاستقلالية قرارها وسيادتها.. تلك الدول تشكل “الأغلبية العالمية” في مواجهة مجموعة من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وفيما يلي جزء من الحوار الذي أجراه الوزير الأبخازي وعرضه التلفزيون الروسـي الرسمي اليوم…
الحوار الفكري والسياسي الخاص الذي أجراه وزير الخارجية الأبخازي إينال أردزينبا مع الرئيس بشار الأسد، تحت عنوان: “الأغلبية العالمية”.
وزير الخارجية الأبخازي:
في الفترة الأخيرة كثيراً ما بدأنا نسمع عبارة “الأغلبية العالمية”، ممن تتألف؟ من أي دول؟ والأهم من ذلك من يتحكم بهذه الدول؟ فمستقبل العالم أجمع يتوقف على الإرادة السياسية للحكام تحديداً.
اليوم سأعرفكم على رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد، الشخص الذي تحدى الغرب الجماعي، واستطاع أن يحمي بلده، وأن يحمي المصير التاريخي لشعبه وأصالته.
لقد التقينا في قصر الرئاسة السوري، وعرضت عليه مناقشة مسائل تعدد القطبية، وعادات السوريين وتقاليدهم الأصيلة.
السيد الرئيس:
كل النزاعات في السنين العشر الأخيرة لها علاقة بالهوية الوطنية، يجب أن نتعلم كيف نحميها من التأثيرات الخارجية، فالطريقة الوحيدة للانتصار علينا هي تدمير هويتنا الوطنية، والهوية الوطنية مفهوم فضفاض وينطوي على الكثير من المعاني، بما في ذلك الثقافة ومنظومة القيم والتقاليد.
وزير الخارجية الأبخازي:
وزارة الخارجية الأمريكية تحاول تدمير التقاليد الوطنية.
السيد الرئيس:
هذه هي طريقتهم بالسيطرة، ولكن عندما تدافعون عن هويتكم الوطنية تستطيعون أن تقولوا لهم: لا، تستطيعون تحليل الوضع بشكل سليم والمناورة حسب الإمكانية، ولكن إذا فقدتم الهوية الوطنية فسيكون همكم الشاغل الوحيد فائدتكم الشخصية؛ أي المال، والمال هو شيء عابر للحدود، عالمي، وعبره تستطيع أن تسيطر، هكذا تسيطر أمريكا على كل شركائها الغربيين والشرقيين أيضاً، وهي تستطيع أن تسيطر على أي بلد أو أي سياسي محدد.
لمحة تاريخية:
الدولة السورية الحديثة عمرها ما يقارب السبعين سنة، ولكن الحضارة في هذه البلاد كانت قد وُجدت منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد، يبلغ تعداد السكان قرابة 17 مليوناً، والغالبية العظمى منهم من المسلمين، والبقية مسيحيون وممثلو ديانات أخرى.
ودمشق هي العاصمة الأقدم في عالمنا الحالي والمدينة الوحيدة في كوكبنا التي ما زالت تعيش منذ آلاف السنين حتى الآن، سورية ليست مهداً للحضارات فحسب، بل كانت دوماً في مركز كل الأحداث الكبرى التي وقعت في هذه المنطقة.
وزير الخارجية الأبخازي:
أعتقد أن الوضع في العالم يتغير، فإن قادة دول الأغلبية العظمى في العالم يعملون تدريجياً على حماية المصالح الوطنية، أما تأثير الولايات المتحدة فيتهاوى.
السيد الرئيس:
هذا صحيح بالمطلق، الناس يتعلمون من أخطاء الماضي، وكنا نستطيع أن نتصادق مع الغرب لكن الغرب لا يقبل أصدقاء، ولا شركاء، هم لا يقبلون سوى الأتباع.
وزير الخارجية الأبخازي:
ولذلك فإن الغرب يدعم قادة مثل زيلينسكي حالياً، فمن الأسهل التعامل مع مثل هؤلاء.
السيد الرئيس:
بالطبع، إنهم نوع من الناس يقولون دائماً: حاضر، وينفذون كل الأوامر: إلى اليمين، إلى اليسار، إلى الأعلى، إلى الأسفل، دائماً يجيبون: نعم أيها الـ(BOSS).
وزير الخارجية الأبخازي:
الغرب لا يحب القادة المستقلين مثلكم، ومثل الرئيس الروسي.
السيد الرئيس:
نعم هم يحبون التحدث عن الديمقراطية، ولا يطيقون أن يُقال لهم: لا، إن ديمقراطيتهم أن تقول لهم: نعم على كل شيء، هذه هي ديمقراطيتهم.
وزير الخارجية الأبخازي:
لقد فكرت كثيراً لماذا يأخذ شاب طبيب عيون لديه مستقبل زاهر، ولديه كل الفرص ليبقى في لندن بشكل دائم، قرار العودة إلى بلده وقيادة نضال شعبه من أجل المحافظة على السيادة والاستقلالية..
واليوم سورية مع روسيا تدافع عن عالم متعدد الأقطاب؟
السيد الرئيس:
تعدد القطبية موجود منذ بداية الحضارة الإنسانية، وفي مراحل عديدة كان هناك أنواع مختلفة من التنظيمات الاجتماعية، وما يؤكد ذلك وجود الإمبراطوريات المختلفة التي كانت تتميز عن بعضها فتتحارب حيناً وتتعاون أحياناً أخرى، لكنها كانت تختلف عن بعضها بشكل ملحوظ، فتعدد القطبية قد يكون اقتصادياً، أو ثقافياً، لكن المهم من كل ذلك أن العالم خُلق متنوعاً.
الرئيس بشار الأسد عن العالم متعدد القطبية.
السيد الرئيس:
أحادية القطبية هي أمر متناقض في بنيته، ظهرت عند تفكك الاتحاد السوفييتي، وهي من أوصلت العالم إلى هذه الفوضى التي تدفع ثمنها بلدان، كبلدي وبلدان عديدة في العالم.
مشكلتنا اليوم تكمن في انعدام وجود قواعد واضحة للتعاون بين الدول، وهذا ما يؤدي إلى نزاعات دائمة، لكن لما كانت هناك لغات وثقافات متعددة فإن العالم كان واقعياً ومتنوعاً ومتعدداً. ولكن من المهم أن يُعتمَد ذلك قانونياً، فسورية وروسيا يدعمان آلية الاعتراف بذلك بقدر ما يستطيعان.
وزير الخارجية الأبخازي:
سيادة الرئيس، كيف تقيمون اليوم دور روسيا في تلك النتائج التي استطعتم أن تتوصلوا إليها معاً؟
الرئيس بشار الأسد عن دعم روسيا لاستقلالية سورية.
السيد الرئيس:
نسمع كثيراً عبارات تقول: إن روسيا دعمت الرئيس السوري أو الحكومة السورية، وهذا تفسير غير صحيح، روسيا دعمت الشعب السوري وحمت استقلالية سورية، وبذلك حَمَت القانون الدولي، الذي ما زال موجوداً على الورق حتى الآن، روسيا وقفت في وجه الإرهاب الدولي، ومن السذاجة أن تفسر أن الإرهابيين هم عصابات محلية خارجة عن القانون، لا، إنهم شبكة عالمية، وهم موجودون في أوروبا وروسيا وإندونيسيا وفي مناطق أخرى من العالم، إن الإرهاب الحالي متجانس إيديولوجياً، وروسيا دخلت بحرب معه على الأراضي السورية، وعندما تحمي السوريين فهي تحمي بلدها، وعندما قالت روسيا كلمتها في محاربة الإرهاب كان هذا مهماً على المستوى الدولي عامةً، ولمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقتنا خاصة، لأن لدى سورية موقعاً جيوإستراتيجياً مهماً جداً.
لمحة تاريخية:
في الواقع، لا يعلم الكثيرون أن الغرب عملياً قد شن هجوماً على سورية عام 2011 من أجل أن يفشل تشكيل اتحاد دول عظيمة في الشرق الأوسط هي إيران وتركيا وسورية، لو قام هذا الاتحاد لكان الشرق الأوسط منذ سنوات عديدة مضت قد أصبح لاعباً مهماً في الساحة الدولية، وكان قد خرج تماماً من تحت سيطرة الغرب.. في الحرب ضد الجمهورية العربية السورية تم استخدام الإرهاب الدولي تحت قناع “المعارضة للنظام”.. ومن المفهوم أن روسيا الاتحادية لن تبقى جانباً لأن القوى نفسها استُخدمت لمحاربتها.
وزير الخارجية الأبخازي:
أريد أن اسألكم عن العملية العسكرية الروسية الخاصة، لقد عبرتم عن رأيكم أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ستغير منحى التاريخ العالمي، ما الذي دفعكم إلى هذا الاستنتاج؟
السيد الرئيس:
لقد قلت: إنها ستصحح منحى التاريخ، لن تكتبه من جديد ولن تغيره بل ستصححه، لأن روسيا بوصفها دولة عظمى تقاوم تدخل الدول الغربية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وليس هناك فارق أين تقارع روسيا الإرهاب في سورية أم في أوكرانيا، فالعدو واحد، وروسيا اليوم تدعم التوازن العالمي سياسياً وعسكرياً لأنها عانت من فقدانه، وأن تفكك الاتحاد السوفييتي لم يكن مفاجئاً بل كان نتيجة خطوات اتُخذت لإثارة الأقليات فيه التي كانت متعايشة تاريخياً مع بعضها بعضاً.
إذا أخذنا على سبيل المثال القرم: خروتشوف نقله إلى سلطة أوكرانيا، والمواطنون الروس في هذه المنطقة لم يحاولوا الاستقلال عن روسيا أبداً، ولكن النازيين هناك أعلنوا الحرب على كل ما هو روسي، كلنا يعرف أن الروس البيلاروس وشعوب روسيا الصغرى لصيقون جداً بلغتهم وثقافتهم وفي شرق أوكرانيا يعيش الروس، ولكن هناك هدفاً محدداً للنازيين الأوكرانيين، وأمريكا كانت تدعم القوميين العدوانيين الأوكران قبل الحرب العالمية الثانية، وكانت تُنمي حقدهم خلال الحرب، ومنذ العام 2004 تستخدمهم عبر مخابراتها للصراع مع روسيا وهذا شيء غير طبيعي، وأنا متأكد أن هذا النزاع سينتهي بانتصار روسيا، وهذا ما سيوحد الشعوب الأخوة، ولذلك قلت: إن روسيا تصحح ما أفسده الآخرون.
وزير الخارجية الأبخازي:
تحدثنا مع الرئيس السوري لأكثر من ساعتين، ولم أستطع إلا أن أساله عن الصين لأن دور هذه الدولة حالياً عظيم جداً، والعلاقة مع الصين تؤثر على السياسة الخارجية لكثير من البلدان في العالم.
لمحة تاريخية:
قبل نصف قرن فقط كانت الصين دولة فقيرة ونامية، واليوم هي الاقتصاد الثاني في العالم والفقر تم تجاوزه، وبالتقدم التكنولوجي هذا البلد تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية، ففي الصين تسجل اختراعات تكنولوجية أكثر بمرتين أو بثلاث مرات من كل الغرب مجتمعاً.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ظهر وهم بأن الليبرالية قد أحرزت النصر النهائي، وبأن الجنة على الأرض يجب أن تشبه أمريكا سياسياً واقتصادياً، وبأن المال أصبح الهدف الرئيسي في الحياة التي نستطيع أن نضحي من أجلها بالأخلاق الإنسانية، ولكن الصين عرضت نموذجاً آخر تماماً، وهو مزيج بين المبادئ الشيوعية والاقتصاد الرأسمالي، ونتج عن هذا المزيج دولة مركزية اجتماعية لديها حرية اقتصادية للشركات، ونحن نلاحظ منذ العام 2008 كيف تنهض الصين بثبات يقابله انحدار للاقتصاد الغربي، وعليه فإن الصين أثبتت أن المبادئ الرأسمالية مهمة جداً للاقتصاد، ولكن الرأسمالية كنموذج لإدارة الدولة محكوم بالفشل، هكذا نرى الدور الإستراتيجي للصين في العالم.
لمحة تاريخية:
قبل الحرب كانت سورية دولة معتمدة على ذاتها تماماً في الجانب الاقتصادي فثلث مدخولات البلد من المشتقات النفطية والثلث الآخر من الإنتاج الزراعي والثلث من الإنتاج الصناعي الوطني، لأن البلد كان ينتج كل شيء ما عدا الصناعات الثقيلة المتميزة، حتى المستحضرات الطبية كانت وطنية، ولكن خلال الحرب.. الصناعة النفطية دُمرت، ليس فقط بتدمير مباشر بل عن طريق العقوبات، واليوم مواقع استخراج النفط تحت سيطرة الأمريكيين، والإنتاج الصناعي متوقف تقريباً، والدولة بصعوبة تستطيع أن تلبي احتياجاتها، في حين تجني الولايات المتحدة الأرباح من الإتجار بالنفط السوري أكثر من كلفة تمويل القوات الأمريكية في سورية.
وزير الخارجية الأبخازي:
السيد الرئيس من خلال حياتكم في الغرب، هل هناك فرصة ولو بعيدة المدى إستراتيجياً لإعادة الحوار مع الغرب الجماعي؟
السيد الرئيس:
الأمل موجود دوماً، حتى عندما نعرف بأنه لن يكون هناك نتيجة علينا أن نحاول. فالسياسة هي فن الممكن، علينا أن نعمل معهم بغض النظر عن رأينا السيئ بهم ونشرح لهم أننا لن نتنازل عن حقوقنا، وسنتعاون معهم فقط على أسس المساواة، أمريكا حالياً بشكل غير شرعي تحتل جزءاً من أراضينا وتمول الإرهاب وتدعم “إسرائيل” التي أيضاً تحتل أراضينا، ولكننا نلتقي معهم بين الحين والآخر مع أن هذه اللقاءات لا توصلنا إلى أي شيء، ولكن كل شيء سيتغير.
أنا عشت مدة طويلة في الغرب، وأنا احترم إنجازاتهم العلمية والثقافية، وبفضل هذه الإنجازات هم أصبحوا أقوياء، ولكن القوة جعلتهم منحلّين، فظهر انحطاط في الطبقة السياسية، وأصبحوا يهتمون أكثر بمسيرتهم الشخصية ولم يعودوا يهتمون بشعوبهم، ووسائل إعلامهم تصنع واقعاً افتراضياً يعمل على تدمير الأسرة وعزل الإنسان عن محيطه، كل هذا قد يعرضهم مستقبلاً لتصفير إنجازاتهم.
وزير الخارجية الأبخازي:
سيادة الرئيس، هل تستطيعون أن تشاركونا خبرتكم بالتعامل مع تأثير المؤسسات غير الحكومية، على سبيل المثال تلك المظاهرات التي كانت في 2011 كانت ممولة من الغرب عبر مؤسسات غير حكومية؟
السيد الرئيس:
نحن والغرب في وضع المواجهة منذ خمسة قرون ولكن الحصار الحالي بدأ في عام 1979 وبدأ الغرب بتمويل الإرهاب ضدنا في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ولكن لم تكن هناك نتائج مرجوة لهم من ذلك، وفي التسعينيات تغيرت الوسائل والطرق فبدأ الضغط عبر الإعلام وعبر القنوات الفضائية، والإنترنت، وبالطبع عبر المؤسسات غير الحكومية، وأعتقد أن هذه المنظمات هي الأخطر لأنها تأتي تحت قناع الأعمال الخيرية، لكنهم في الواقع يبدؤون بجمع المعلومات ويبدؤون باستخدام هذه المعلومات ضد مصالح الدولة، ونحن كنا نراقبهم بشكل حثيث قبل الحرب، وكنا نعرف أنه عبر منظمات كهذه، الولايات المتحدة ووكالة استخباراتها المركزية الأمريكية تسيطران ليس فقط على خصومهما بل على حلفائهما أيضاً.
وعندما بدأت الحرب كل هذه المنظمات أوقفت العمل بنفسها كما البعثات الدبلوماسية، وهذا كان منطقياً لأننا كنا سنطردهم بكل الأحوال، وبذلك أضاعوا وسيلة تأثيرهم فلم يبق لديهم إلا المواجهة المباشرة وتمويل العصابات الإرهابية، ومنظمات كهذه لدينا أو لديكم أو في أوكرانيا لديها هدف واحد: أن تسيطر على العقول، وأن تصل إلى مراكز مؤثرة ضمن الحكومة، وأن تحرض لتغيير السلطة إلى أخرى تخدم مصالح المحتل المستتر. ولو كانت هذه المنظمات إنسانية فعلاً لكانت قد دعمت منظمات الأمم المتحدة، وهم لم يفعلوا هذا قط.
وزير الخارجية الأبخازي:
سيادة الرئيس، إحدى أهم نقاط القلق اليوم هو ما يحدث بين فلسطين و “إسرائيل”، كيف ترون هذا الوضع، وما أسباب ما يحدث الآن؟
السيد الرئيس:
السياسة الغربية وخاصة الأمريكية تُبنى على مبدأ فرّق تسد، هذه هي طريقتهم للسيطرة، وهو نوع من الابتزاز، وهو وضع غير أخلاقي، ولكن هذا هو الواقع.
أمريكا تحوّل أي نزاع إلى مرض مزمن خطر كما هو داء السكري أو السرطان، ومن يدفع ثمن النزاع هي الأطراف المتحاربة، وعندما نقول أمريكا فإننا نعني كل الغرب، لأن الغرب مُسيطر عليه بالكامل من الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا تستفيد من أي نزاع وبعدها تتنحى جانباً وتبدأ بمراقبة الفوضى المتنامية، وتنتظر اللحظة المناسبة لتسديد الضربة القاصمة، بالنسبة لأمريكا كلُ نزاع مربحٌ.
وزير الخارجية الأبخازي:
سيادة الرئيس، الشرق الأوسط برأيي يشعر برياح التغيير باتجاه تعدد القطبية، رجال الدولة في الشرق الأوسط بدؤوا بتقليل علاقاتهم مع الغرب الجماعي، أعتقد أنه من المهم أن نشير إلى هذا، هل توافقون هذا الطرح؟
السيد الرئيس:
كثير من الدول اكتشفت أن أمريكا ليس لديها أصدقاء وكل من كان يعتقد نفسه شريكاً لأمريكا يفهم تماماً أنه ليس لأمريكا شركاء، حتى في الغرب، لأن الصداقة والشراكة تُفهم بأن تكون هناك مصالح مشتركة، ولكن لدى أمريكا مصلحتها الخاصة فقط، ولذلك فإن العلاقة مع هذه الدولة لا تستطيع أن تكون منتظمة وآمنة، وكثير من دول العالم بدأت بتوسيع علاقتها مع الصين بما فيها الغرب وأمريكا اللاتينية، وهذا شيء محق، لأن أمريكا تتجاهل مصالح شركائها المفترضين، وتستخدم الدولار سلاحاً وتقوم بالضغط السياسي عبره، ولا يهمها أن رهانهم هذا يزيد من التضخم والبطالة لشركائهم وهذا ما لا يناقشه أحد في العالم، وهذا لن يستمر دون نهاية.
وزير الخارجية الأبخازي:
سنحت لي الفرصة أن أتحدث مراراً مع الرئيس الأسد، وكان يدهشني الهدوء العجيب الذي يشع من هذا الإنسان، والثقة المطلقة لقائد شعب لديه عراقة آلاف السنين، وبلد تسمع فيه صوت الأجداد، وهذا ما لا يحظى به كل إنسان، وهي إحدى الخواص التي تميّز القائد الذي يتوجه الشعب نحوه ويثق به، بشار الأسد تصور حياته خلال فترة شبابه بطريقة أخرى تماماً، ولكن هناك ما اضطره على أن يأخذ هذا الاختيار.
الرئيس بشار الأسد عن الأولويات
السيد الرئيس:
في شبابي كانت لدي خطط كثيرة وكنت أريد أن أحققها كلها، ومع العمر وصلت إلى قناعة أن لكل شيء ثمنه، وبدأت بتحديد الأولويات، وإذا لم تستطع أن تنجز هذا الأمر فلن تستطيع أن تنجز أي شيء، ليس لدي حنين إلى تلك الأيام، فقد اكتسبت خبرة مع مرور الوقت وأصبحت أكثر فعالية.
وزير الخارجية الأبخازي:
سيادة الرئيس هل تتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي، هل تقرؤون مثلاً ماذا يكتب مواطنوكم؟ هل تقرؤون تعليقاتهم على عملكم؟ هل هذا مثير بالنسبة لكم؟
السيد الرئيس:
قبل أن أصبح رئيساً كنت رئيساً للجمعية السورية للمعلوماتية في بلدنا، وكنت في شبابي مهتماً بالتكنولوجيا وكنت مؤمناً بمستقبل التكنولوجيا الرقمية، ولكنني في الوقت نفسه متيقن أنه بالإمكان عبر الإنترنت وبكل سهولة التدخل من الخارج في الحياة الداخلية لأي بلد، وأنا لا أنسى عند تخصيصي وقتاً لوسائل التواصل الاجتماعي أن أخصص وقتاً للعلاقة المباشرة مع الناس، فبمقدور وسائل التواصل الاجتماعي أن تخدع المرء، ولا يمكن التكهن فيما إذا كانت التعليقات والتقييمات حقيقية. ويجب مقارنة كل ما تتابعه مع الواقع، فالرأي العام الافتراضي لا يعكس رأي الأغلبية وليس سوى مقتطف منه، وقد يكون مفبركاً. ولذلك لا يجب الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي عند أخذ القرارات. وعندما بدأت بدفع تطوير تكنولوجيا الإنترنت في سورية كنت أدرك أنها سلاح ذو حدين، ويجب أن نذكر دائماً الخطورة التي تحملها التكنولوجيا المتطورة معها.
وزير الخارجية الأبخازي:
سيادة الرئيس هل لديكم هوايات أو وسائل معينة للتسلية والاسترخاء للعودة بعدها إلى العمل بفعالية أكبر، ومن أجل أن يكون ممكناً التركيز على الأولويات؟
السيد الرئيس:
في شبابي لم تستهوني السينما أو التلفزيون وكنت منذ الطفولة أفضّل القراءة والرياضة، ولكن مع التقدم بالعمر بدأت أحب البرامج الحوارية، وعندما يكون لدي وقت كاف فإنني أتابع الأفلام الوثائقية على الإنترنت، وأسمع الأخبار خلال ممارستي للرياضة، وأحب الموسيقى ولكنني أسمعها حسب المزاج.
وزير الخارجية الأبخازي:
سيادة الرئيس لديكم ثلاثة أولاد، من فضلكم إذا أخذنا بعين الاعتبار خبرتكم وطريقكم الذي اجتزتموه، هل تتمنون لأولادكم أن يكونوا مسؤولين حكوميين، هذه المهنة الصعبة والمتناقضة أحياناً؟
السيد الرئيس:
خلال حياة والدي عندما كنت أعمل على تطوير الإنترنت في سورية لم أتوقع أنه تنتظرني حياة مهنية كمسؤول حكومي، ولم أكن في أي موقع في الحكومة، ووالدي لم يناقش مستقبلي معي أبداً، وأعتقد أن مسائل كهذه يجب على كل فرد أن يقررها بنفسه، انطلاقاً من فهمه لموقعه في العالم. وأنا لا أعرف أي مستقبل سينتقيه أولادي، نحن كلنا مواطنون في بلدنا وسنخدمها جميعاً وبأي شكل، أعتقد أن كلاً منا سيقرر دوره، قد تكون مسؤولاً حكومياً أو مديراً ولا تخدم مصلحة بلدك، هذا كله ينبع من الإنسان نفسه وينبع من ماهيته، ولا أعتقد أنه من المناسب أن يقرر الآباء ماذا سيكون الأبناء، الآباء يستطيعون تربية أولادهم على حب الوطن، واحترام تاريخ البلد، والاستعداد للبذل من أجله، ومن المهم أن يحصل المرء على المؤهلات في مجال علمي ما، وبعدها عليه أن يقرر في أي مجال يستطيع أن يخدم بلده، أولادي عاشوا الحرب وكثيراً ما يطرحون عليَّ سؤالاً: لماذا بدأت هذه الحرب؟ وإذا صمد أبناء جيلهم خلال الهجمة الليبرالية وتمكنوا من فهم لماذا كانت الحرب حتمية، فهذا الجيل سيكون ناجحاً جداً.
وزير الخارجية الأبخازي: سيادة الرئيس شكراً جزيلاً لكم على هذا الحوار الممتع.
السيد الرئيس: شكراً لكم.
وزير الخارجية الأبخازي: شكراً.. شكراً.