في الجيوش الكلاسيكية يعتبر سلاح المدرعات عمدة المناورة البرية مع تطور الأسلحة المضادة للدروع والتي غالباً ما تستخدمها مجموعات غير نظامية تخوض حروباً هجينة أو لامتماثلة هي نسخة مطوّرة من حرب العصابات، أصبحت الجيوش الكلاسيكية تعمد إلى تنسيق المناورة البرية بين قوات المشاة وألويتها المدرعة تلافيًا لتحوّل مدرعاتها إلى أهداف سهلة للمدافعين.
بناء على التجربة في مواجهة المقاومة في لبنان، طوّر جيش العدو الإسرائيلي تكتيكات في المناورة البرية لتصبح الحركة منسّقة بين المشاة والمدرعات، بحيث يتبادل كل منهما التأمين للآخر.
يعني ذلك أنه بدل أن تتقدّم المدرّات أولاً كما يجري في الحروب الكلاسيكية، أصبحت قوات المشاة تسبق تقدم المدرّعات بحيث تتسلّل مجموعات نخبوية منها وتؤمن تقدّم المدرعات التي تقوم بدورها بعد تقدمها وتموضعها خلف سواتر واستحكامات بالتأمين للخطوة التالية من تقدّم المشاة.
كل ذلك بهدف تحقيق أصل التأمين وتلافي تحوّل المدرّعات إلى توابيت نقالة للجنود كما حصل في حرب 2006 في سهل الخيام ووادي الحجير وغيرها.
قبل عدة أيام وتطبيقاً للتكتيك القتالي الذي تقدّم ذكره، دشّن جيش العدو عمليته البرية بتسلل مجموعات المشاة النخبوية من لواء غولاني وقوة إيغوز المتخصصة بأساليب قتال حزب الله من العديد من النقاط الحدودية أبرزها مقابل كفركلا والعديسة وعيترون ومارون الراس ويارون.
ظنّ العدو واهماً أن جهده الاستعلامي وإطباقه الجوي وقصفه المركّز على قرى الحافة الأمامية منذ الثامن من أكتوبر أفضى إلى تليين دفاعات المقاومة وتدمير تحضيراتها لمنطقة المسؤولية وجعل حركة عناصرها في منطقة الحافة أمراً مستحيلاً.
لكنّ المفاجأة أتته في العديسة ومارون الراس ويارون في سلسلة من الكمائن الناجحة التي أعدّت بذكاء وعكست تفوقاً أذهل العدو في معرفة الأرض والتشخيص الدقيق لمسارات تقدم قواته وتنويع استهدافها بصواريخ مضادة للدروع والإطباق على جنود النخبة لديه عن قرب وحتى من المسافة صفر فضلاً تفجير عبوات كبيرة مضادة للأفراد بعضها زرع بحسب مصدر في غرفة عمليات المقاومة قبل ساعات من تقدم قوات العدو ما يشير إلى قدرة المقاومين على التحرك بمرونة عالية رغم الإطباق الجوي والجهد الاستعلامي المركّز للعدو وقدراته النارية الكبيرة الموجهة إلى المنطقة.
من المهم أيضاً الإشارة إلى الجهد الاستعلامي الدقيق الخاص بالمقاومة حول أماكن تحشّد قوات العدو واستهداف نقاط انطلاقها بالقصف الصاروخي المركّز ما يعيق تحضيراتها ويعيق تنظيم صفوفها ويستنزفها قبل دخولها الأراضي اللبنانية.
أما بالنسبة للمدرعات، فيبدو أن حركتها مكشوفة وقد تحوّلت إلى أهداف سهلة يصطادها المقاومون بمجرد تجاوزها السياج الحدودي وحتى قبل ذلك عند تحركها من نقاط تمركزها خلف الحدود كما جرى في المالكية ونطوعة وغيرها.
بناء على ما تقدّم، يبدو العدو عالقاً في معضلة تكتيكية لتنسيق المناورة بين المشاة والمدرعات وقد بدأ صداها يتردّد داخل الكيان من خلال اتهام نتنياهو بالزج بالجيش في معركة استنزاف قاسية قد أعدّ حزب الله نفسه جيداً لها ولسان حال المقاومين المتربصين بالعدو “هلا ومرحب” بالحرب البرية.
بقلم: الصحفي اللبناني أيمن حلاوة